الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة هناك، يرفضون ضربات الجزاء والهديّة.. ونحن نريد البطولات الزائفة والانتصارات الوهميّة !

نشر في  12 مارس 2014  (14:53)

مرٌة أخرى يأتينا الدرس من القارة العجوز وبالتحديد من «البوندسليقا» الألمانية، فقد رفض «أرون هانت» مهاجم «فيردر بريمن» ضربة جزاء منحها إيّاه الحكم ضدّ فريق «نورمبارغ» في مقابلة تدخل في إطار الجولة الـ 24 من الدوري الألماني. كان المهاجم سقط بطريقة عفوية داخل منطقة العمليات فظنّ الحكم الذي كان قريبا من موقع العملية أن المدافع عرقل منافسه وأعلن ضربة جزاء، إلا أن اللاعب «هانت» توجه اليه ورفضها موضحا للحكم أنه لم يتعرض للعرقلة، وفعلا أخذ الحكم بكلامه وتراجع في قراره، في لقطة تتسم بروح رياضية عالية ونادرة قلّما شاهدنا مثلها.
وأنا أتابع هذه اللقطة استحضرت بعض ما يحصل في ملاعبنا من غش وخداع وتمويه وتضليل و«تفليم» في بطولة الرداءة والمهازل، استحضرت كيف يتهجّم اللاعبون والمسيرون على الحكام بسبب رمية تماس مشكوك في صحتها أو ضربة ركنية أو مخالفة، واستحضرت أيضاً تباكي واتهامات المسؤولين وتصريحات المؤامرات والمكائد.. بالتوازي مع ذلك استعرضت قليلا مما يحدث في أصناف الشبان عندنا وكيف يعلّمونهم الغش والتمويه على الحكام للحصول على ضربات الجزاء، وكيف يلقّنونهم «فنون» وأساليب استفزاز المنافس عندما يختارونهم كملتقطين للكرة في مباريات الأكابر وينبّهون عليهم بعدم إرجاعها بسرعة إذا كان فريقهم متقدما في النتيجة، بمعنى آخر يتعلمون التحيّل والمكر وكل الأساليب القذرة التي لا علاقة لها بالرياضة والروح الرياضية التي يفترض أن تكون الأساس في تكوينهم وصقل مواهبهم.
إن ما نشاهده اليوم في ملاعبنا من تصرفات وسلوكيات وتجاوزات من اللاعبين هو نتيجة طبيعية لما تعلّمه هؤلاء في أصناف الشبان من تسيّب وانحلال ومن استعمال لكل الأساليب وشتى الوسائل المنحرفة لكسب الفوز في المباريات أو لتحقيق الصعود أوالحصول على الألقاب... لذلك تجدنا نغرّد خارج السّرب في المباريات والمنافسات الدولية الهامة لأننا تعوّدنا على استعمال الطرق الملتوية للوصول إلى الأهداف المرجوة والمنشودة، لأن مثل هذه الأساليب لا تمرّ في مثل هذه المواجهات والمنافسات بقدر ما تجد المجال رحبا وواسعا في البطولة التونسية حتّى مللناها وكرهناها..
والثابت أن الكثير من اللاعبين «يتفنّون» فنّ مخادعة الحكام من أجل الحصول على خطأ أو ضربة جزاء أو التسبب في إنذار أو طرد لاعب من الفريق المنافس بهدف الخروج بنتيجة إيجابية خصوصاً إذا كان عاجزاً عن تحقيق الفوز. وقد اشتهرت الملاعب التونسية على مرّ السنوات بأسماء عديد اللاعبين الذين عرفوا بالمبالغة في التمويه والسقوط أو ادعاء الإصابة و «التمثيل» على الحكام. ولئن كانت الظاهرة لا تقتصر على تونس باعتبار أن التمويه موجود في كل بطولات العالم وحتّى لدى اللاعبين الكبار، فإن ما يحصل في مبارياتنا من لقطات وتصرّفات وما يأتيه اللاعبون من حركات تثير الإشمئزاز قد تجاوز كلّ الحدود، وهو ما يجعلنا نلعن هذه الكرة التي تفرز العنف والإعتداءات والفرقة وتخلّف الأحقاد والضغائن..
نعود إلى موضوع التمويه لنشير إلى أن الكثير من اللاعبين يعتبرون «ذكاءهم» تحيّلا ليس على الحكم فقط وإنما على الجماهير أيضا خصوصاً إذا شعراللاعب بعجزه وإخفاقه وتراجع مستواه، لذلك يلجأ إلى التّمويه عسى أن يمنحه الحكم خطأ أو ضربة جزاء يحقق منها الهدف المنشود، في الوقت الذي كان فيه مطالبا بتطوير مهاراته الفنية بدلاً من اللجوء إلى التحيّل؛ لأنه بالإستعدادات الجيدة والعمل في التمارين والإلتزام بالسلوك القويم لن يحتاج لهذا الأمر ولمثل هذه الممارسات لتحقيق الانتصارات.
وسعيا منها للتصدي لكل أنواع الغش في المباريات بما فيها التمثيل والتمويه على الحكام تسعى «الفيفا» للبحث عن الحلول والإجراءات الكفيلة بالتصدي للظاهرة، وقد وصل الأمر برئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السويسري جوزيف بلاتر إلى حدّ المطالبة بمعاقبة «من يتحايل للحصول على ضربة جزاء» بإحتساب ضربة جزاء ضد فريقه. كان ذلك في التصريح الذي أدلى به للمجلة الأسبوعية للفيفا في بداية هذه السنة. وقد قامت صحيفة «بيلد» الألمانية التي نقلت التصريح بطرح استفتاء للإقتراح الذي تقدم به بلاتار بين قرائها وكانت النتيجة مفاجئة حيث أيّده 77 % من المصوتين، واعترض عليه 23 %، وفاق عدد المصوتين 20 ألفا.
ما يهمنا في الموضوع أن مشاكلنا الرياضية أكثر مما تعدّ حتى أنّ بطولتنا باتت مقرفة مملّة، فعلاوة على المستوى المتواضع والغش والإحتجاجات وسوء الأخلاق وأحداث العنف المادي واللفظي التي طالت اللاعبين والحكام والمسيرين، زادت الإحترازات في توتير الأجواء وساهمت القرارات والقرارات المضادة الصادرة عن الهياكل الرياضية في تعكيرها، الجميع يريد الإنتصار والجميع يرفض الهزيمة سواء بحلالك أوحرامك «وكلّ الطرق تؤدّي إلى روما» بالنسبة للفاعلين في مشهد كروي قاتم على طول.

بقلم: عادل بوهلال